10 قصائد مختارة من شعر ناظم حكمت: الحب والحرية والمنفى

Nazim Hikmet

يُعدُّ ناظم حكمت (1902–1963) قامةً شعريةً لا تُضاهى في الأدب التركي الحديث، وصوتاً صدح بالحب والحرية رغم قسوة السجون ومرارة المنفى. وُلد في كنف عائلة أرستقراطية ذات نفوذ، لكنه اختار الانحياز لقضايا البسطاء، مما عرّضه لسلسلة من المحاكمات والسجن في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، قبل أن يضطر لمغادرة وطنه بلا عودة.

قضى «العملاق ذو العينين الزرقاوين» سنوات طويلة خلف القضبان، ثم لجأ في مطلع الخمسينيات إلى الاتحاد السوفييتي، حيث عاش في موسكو حتى وفاته عام 1963. عُرف حكمت بتوجهاته اليسارية الصريحة، وظل شعره مقروناً بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية والسلام، مما جعله أيقونة عالمية للأدب الملتزم.

وعلى الرغم من حظر شعره وتجريده من جنسيته التركية عام 1951 بسبب أفكاره السياسية، إلا أن التاريخ أنصفه لاحقاً؛ إذ أعادت الحكومة التركية الاعتبار إليه ومنحته الجنسية مجدداً بقرار رسمي عام 2009. واليوم، في أواخر عام 2025، يتربع ناظم حكمت على عرش الشعر في تركيا، وتعمل «مؤسسة ناظم حكمت للثقافة والفنون» في إسطنبول على تخليد ذكراه ونقل إرثه للأجيال الجديدة.

نقدم لكم في هذه الصفحة عشر قصائد مختارة من روائع ناظم حكمت مترجمة إلى العربية، تفتح نافذة على روحه التواقة للحرية، وقلبه المليء بالعشق، ورؤيته الثاقبة التي ما زالت تحاكي واقعنا المعاصر.

الشاعر التركي ناظم حكمت

1. العملاق ذو العيون الزرقاء

تجسد هذه القصيدة التناقض بين طموح الشاعر الثوري ورغبته في الحب البسيط، وهي تعبير رمزي عن علاقته المضطربة مع الحياة العادية التي لم يستطع نيلها.

كان عملاقاً ذا عينين زرقاوين.
كان يحب امرأةً صغيرة.
كان حلمُ المرأة بيتاً صغيراً،
بيتاً رخامياً في الحديقة،
يتفتّح فيه زهر العسل.

كان العملاق يحب كعملاق.
ويداه، المجبولتان على الأعمال العظيمة،
لم تُطاوعاه لصنع بيتٍ صغير
ببابٍ يُطرَق،
بيتٍ رخامي في وسط الحديقة،
حيث يتفتّح زهر العسل.

كان عملاقاً ذا عينين زرقاوين.
كان يحب امرأةً صغيرة.
لكن المرأة كانت صغيرةً جداً،
جائعةً للراحة،
متعبةً من درب العملاق الطويل.
قال العملاق ذو العينين الزرقاوين: وداعاً!
ومضت هي لتدخل في ذراع قزمٍ غنيّ،
إلى بيتٍ رخاميّ في وسط الحديقة،
حيث يتفتّح زهر العسل.

الآن أدرك العملاق ذو العينين الزرقاوين
أنه لا قبر حتى للعمالقة العاشقين:
في البيت الرخاميّ وسط الحديقة،
ذبل زهرُ العسل،
والبابُ بقي مفتوحاً.

2. شجرة الجوز

رأسي يزبد كالغيم، وفي داخلي بحر،
أنا شجرةُ جوزٍ في حديقة جولهان،
عقدةً فوق عقدة؛ شجرةُ جوزٍ عتيقةٌ تتنهّد.
لا أنتِ تدركين ذلك، ولا الشرطة.

أنا شجرةُ جوزٍ في حديقة جولهان.
أوراقي هشّةٌ كسمكةٍ في الماء،
وأوراقي ناعمةٌ كمناديل الحرير؛
مزّقيها، يا عينيّ، يا وردتي، وامسحي دمعك.
أوراقي يداي، ولي مئةُ ألفِ يدٍ،
ألمسُكِ يا إسطنبول بمئةِ ألفِ يد.
أوراقي عيناي، أنظر بدهشة،
أراقبكِ يا إسطنبول بمئةِ ألفِ عين.
وتخفق أوراقي كمئةِ ألفِ قلب.

أنا شجرةُ جوزٍ في حديقة جولهان.
لا أنتِ تدركين ذلك، ولا الشرطة.

تظل حديقة «جولهان» التاريخية في إسطنبول، التي كتب فيها حكمت هذه القصيدة، متنفساً طبيعياً وثقافياً في قلب المدينة حتى عام 2025، حيث يمتزج فيها عبق التاريخ بجمال الطبيعة، تماماً كما امتزجت روح الشاعر بجذور شجرة الجوز.

مختارات من شعر ناظم حكمت

3. تحية للطبقة العاملة

تحيةٌ للطبقة العاملة في تركيا!
تحيةٌ طيبة!
سلامٌ للبذور التي تستعد لتُزهِر!
لكل الثمار على فروعك.
الأيامُ المرجوة، الأيامُ الجميلة بين أيديكم،
أيامٌ لا يُستغلّ فيها إنسانٌ في وضح النهار، ولا ينام جائعاً،
أيامُ الخبز والورد والحرية.

تحيةٌ للطبقة العاملة في تركيا!
لمن يصرخون في الساحات بأشواقنا،
شوقنا إلى الأرض، إلى الكتاب، إلى العمل،
شوقنا إلى الهلال والنجمة وهما أسيرَا علمنا.

تحيةٌ لطبقتنا العاملة التي ستهزم الظلم:
سلطنةَ المال،
وظلامَ التعصّب،
وستُسقِط هيمنة الغريب.

رغم مرور عقود على هذه الكلمات، لا تزال شعارات «الخبز والحرية» تلامس الواقع المعيشي. فوفقاً لبيانات النقابات العمالية التركية الصادرة في أبريل 2025، تجاوز حد الجوع لأسرة مكونة من أربعة أفراد 24 ألف ليرة تركية، ما يؤكد أن نضال العمال من أجل حياة كريمة ما زال مستمراً.

4. الشهداء (من ملحمة حرب الاستقلال)

شهداءُ. شهداءُ. شهداءُ القوات الوطنية،
حان وقتُ الخروج من القبور!
شهداءُ القوات الوطنية،
في ساكاريا، في إينونو، في أفيون،
وبالطبع في دوملوبينار،
وأولئك الذين سقطوا في أيدين وعنتاب،
أنتم جذورُنا العظيمة الممتدة تحت الأرض،
تنامون مخضبين بالدم.

شهداءُ القوات الوطنية،
بينما أنتم نيامٌ تحت الثرى،
استدعانا العدوُّ،
لقد بُعنا. استيقظوا!
نحن نيامٌ فوق الأرض،
انهضوا وأيقظونا!
أيقظونا!
حان وقتُ الخروج من القبر!

بورتريه ناظم حكمت

5. عيناكِ

تُعد هذه القصيدة من أرق ما كتب حكمت في الحب، حيث يمتزج العشق بالأمل بمستقبل أفضل.

عيناكِ، عيناكِ، عيناكِ؛
سواء جئتِ لزيارتي في سجني أو في مشفاي،
عيناكِ، عيناكِ، عيناكِ دائمًا كالشمس،
في أواخر أيار،
على شاطئ أنطاليا، عند ساعة السحر.

عيناكِ، عيناكِ، عيناكِ؛
كم مرةً دمعتا أمامي،
وكانتا عاريتين،
كبيرتين وصادقتين كعيني طفلٍ،
لكننا لم نبقَ يومًا بلا شمس.

عيناكِ، عيناكِ، عيناكِ؛
في الخريف هما ككستناء بورصة،
وفي الصيف تمطران كمطرٍ صيفي،
وكإسطنبول في كل الفصول وكل الأوقات.

اقرأ أيضًا: 10 قصائد من أجمل وأرق أشعار يونس أمره

على غرار ناظم حكمت، يُعتبر الشاعر يونس أمره ركيزة أساسية في الذاكرة الشعرية التركية، حيث أسس لمدرسة الحب الإلهي والتسامح التي لا تزال تلهم الشعراء والمتصوفة حتى يومنا هذا.

6. الاشتياق

لقد مرّت مائةُ عامٍ لم أرَ فيها وجهكِ.
نعم، مائة عام من الحنين.
لا ينبغي أن تُطرَح أسئلةٌ على عاشق محروم،
عن حرارة اللمس وتفاصيل اللقاء.

إنها تنتظرني منذ قرن من الزمان،
تلك المرأة في المدينة البعيدة.

كنّا على الغصن نفسه، كنّا في الغصن نفسه،
وسقطنا من الغصن ذاته.
بيننا مائةُ عامٍ من الزمان،
وطريقٌ يمتد لمائة عام.

في الشفق منذ مائة عام،
وأنا ما زلتُ أركض إليكِ.

تمثال ناظم حكمت

7. محبوبتي

حبيبتي، إن كذبتُ عليكِ،
فليَنْكسِرْ لساني ولأُحرَمْ
من أن أقول: «أحبكِ». الكلمة التي أعيش لأجلها.

حبيبتي، إن كتبتُ لكِ كذبةً،
فلتجِفَّ يدي ولأُحرَمْ
من نعيم معانقتكِ.

وإن كذبتُ، يا حبيبتي،
فلتسيل عيناي في راحتيّ كدموعٍ نادرة،
وألا أرى وجهكِ ثانيةً، وهو عقابي الأكبر.

8. خائن الوطن

تُعد هذه القصيدة رداً لاذعاً من حكمت على الصحف التي وصفته بـ«الخائن» لموقفه من الهيمنة الأجنبية.

«لا يزال ناظم حكمت يواصل خيانته». هكذا كتبوا.
قال حكمت: نحن شبهُ مستعمرةٍ للإمبريالية الأمريكية.
ظهر هذا في إحدى صحف أنقرة، بعناوين سوداء صارخة،
بجانب صورة أدميرال أمريكي يبتسم بملء فمه.
تبرعت أمريكا بمبلغ لميزانيتنا. فصفقوا.
لكن حكمت قال: نحن شبهُ مستعمرة.

نعم، أنا خائن، إن كنتَ أنت الوطني؛
إن كنتَ من محبّي الوطن فأنا من خَوَنته.
لو كان وطنُك هو مزارعُك،
والوطن هو ما في خزائنك ودفاتر شيكاتك،
وإن كان الوطن يعني أن يموت الشعب جوعاً،
ويرتجف كالكلب برداً، ويتلوّى من المرض بلا دواء،
وإن كان الوطن هو شرب دماء عمالنا في مصانعكم،
وإذا كانت الوطنيةُ هراوة شرطي،
وكان الوطن هو القواعد الأجنبية،
فأنا خائن.

اكتبوا إذاً بعناوين سوداء على ثلاثة أعمدة:
لا يزال ناظم حكمت يواصل خيانته!

تعكس القصيدة موقف حكمت الرافض للتبعية، وهو نقاش ما زال يتردد صداه في الأوساط السياسية التركية حتى عام 2025، حيث تتأرجح العلاقات الدولية بين التحالفات الغربية والمصالح الوطنية المستقلة.

9. إذا كنتَ سحابة

سحابةٌ رائعةٌ فوق البحر،
سفينةٌ فضيةٌ تمخر عباب الماء،
سمكةٌ صفراء تسبح في الأعماق،
طحلبٌ أزرق يتمايل في القاع،
ورجلٌ عارٍ على الشاطئ
يظنّ أنه وصل.

أأكون السحابة؟
أم السفينة؟
أأكون السمكة؟
أم الطحلب؟
لا هذا، ولا ذاك، ولا تلك.
لا بدّ أن أكون البحر، يا بُنيّ،
بغيمه وسفينته وسمكته وطحلبه. أنا البحر.

10. الميناء الأزرق

أنا مُتعَبٌ جدّاً، لا تنتظرني أيها القبطان.
دَعْ غيري يكتب السجلّ.
تلوح لي قُبّة، وميناءٌ أزرق.
لكنك لن تستطيع أن تُوصلني إلى هذا الميناء.


إن شعر ناظم حكمت ليس مجرد نصوص أدبية، بل هو وثيقة تاريخية وإنسانية خالدة. ولمن يرغب في الغوص أكثر في بحر الأدب التركي، ننصح بالاطلاع على تجربة جلال الدين الرومي الروحية العميقة، وكذلك قراءة سيرة الكاتبة والمناضلة خالدة أديب أديفار التي لعبت دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني التركي.

كما يواصل معهد يونس أمره دوره الرائد في نشر اللغة والثقافة التركية حول العالم، مما يسهل على القراء العرب الوصول إلى كنوز الأدب التركي أمثال ناظم حكمت.

ختاماً، أيّ هذه القصائد لامست وجدانكم أكثر؟ وأي صورة رسمها حكمت للحب والمنفى بقيت عالقة في ذاكرتكم؟

موضوعات ذات صلة