السلطان عبد العزيز العثماني

السلطان عبد العزيز

يعتبر السلطان عبد العزيز واحدًا من أكثر سلاطين الدولة العثمانية إثارة للجدل في أواخر عمر الدولة، حيث عُرف بأنه أول سلطان عثماني يسافر في زيارات دبلوماسية رسمية إلى عواصم أوروبا ومصر، منفتحًا على الغرب ومحاولًا تحديث إمبراطوريته.

انتهت حياة السلطان عبد العزيز نهاية مأساوية في قصر فيريه، مما أثار لغزًا تاريخيًا استمر لأكثر من قرن حول ما إذا كان قد انتحر أم قُتل، وهو الجدل الذي حسمته أدلة جنائية حديثة ظهرت في عام 2007.

السلطان عبد العزيز العثماني

نسب وعائلة السلطان عبد العزيز

ينتسب السلطان عبد العزيز الأول إلى السلالة العثمانية العريقة، واسمه الكامل تسلسلًا حتى مؤسس الدولة هو:

السلطان عبد العزيز الأول بن محمود الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل.

تزوج السلطان عبد العزيز عدة مرات، ومن أشهر زوجاته:

  • دورونيف قادين (أنجب منها ثلاثة أولاد)
  • آيداديل قادين (أنجب منها طفلًا واحدًا)
  • السلطانة حيرانة (أنجب منها طفلين)
  • السلطانة نسرين (أنجب منها ثلاثة أطفال)
  • نيفين قادين أفندي (أنجب منها طفلًا واحدًا)
  • السلطانة صافيناز (أنجب منها ثلاثة أطفال)

نشأة السلطان عبد العزيز

ولد السلطان عبد العزيز في 9 فبراير 1830 للسلطان محمود الثاني والسلطانة برتونيال. عُرف عنه التدين والالتزام بقراءة القرآن الكريم يوميًا، كما كان شغوفًا بالفنون، حيث أجاد فن الخط العربي وكان مؤلفًا موسيقيًا ورسامًا موهوبًا.

رسمة للسلطان عبد العزيز العثماني

فترة حكم السلطان عبد العزيز الأول

تولى السلطان عبد العزيز الحكم في 7 يونيو 1861. وعلى الرغم من أن عهده لم يشهد توقيع معاهدات سلام كبرى تتنازل فيها الدولة رسميًا عن أراضٍ واسعة، إلا أن الواقع كان يشير إلى تراجع السيطرة الفعلية للدولة في بعض المناطق. أبرز هذه الأحداث كان سحب الحاميات العثمانية من القلاع الصربية (مثل بلغراد) في عام 1867، وهو ما مهد الطريق لاستقلال صربيا لاحقًا، إضافة إلى منحه استقلالية واسعة لجزيرة كريت بعد ثورتها.

واجهت الدولة تحديات داخلية وثورات تعامل معها السلطان بمزيج من الحزم والمرونة الدبلوماسية، وأهمها:

  • ثورة الجبل الأسود
  • اضطرابات الصرب (التي انتهت بتسليم القلاع)
  • ثورة كريت (وانتهت بإصدار القانون الأساسي ومنح الحكم الذاتي)

الإصلاحات الداخلية والتشريعية

إصدار مجلة الأحكام العدلية

تُعد “مجلة الأحكام العدلية” أعظم إنجاز قانوني في عهده، وهي بمثابة القانون المدني المستمد من الفقه الإسلامي (على المذهب الحنفي). نظمت المجلة المعاملات المدنية كالبيع والإيجار والرهن، وظلت مرجعًا قانونيًا وتشريعيًا في العديد من الدول العربية كسوريا والأردن والعراق لعقود طويلة بعد سقوط الدولة العثمانية.

تحسين العلاقات مع مصر وتونس

سعى السلطان عبد العزيز لترميم العلاقات مع الولايات التابعة. ففي مصر، منح الخديوي إسماعيل امتيازات واسعة وحصر وراثة العرش في أكبر أبنائه، مما عزز استقلالية مصر الإدارية. كما ضمت الدولة العثمانية موانئ سواكن ومصوع لإدارة مصر.

أما في تونس، فقد اعترف السلطان بالوضع الخاص للباي لقطع الطريق على الأطماع الفرنسية، مؤكدًا على التبعية الروحية والسياسية للسلطنة.

الخديوي اسماعيل

الإصلاحات الاقتصادية والبنية التحتية

شهدت البنية التحتية تطورًا ملحوظًا؛ حيث تم تمديد خطوط السكك الحديدية، بما في ذلك الخط الذي يربط إسطنبول بأوروبا، وبدء مشروع محطة سيركيجي. كما تأسست في عهده مدرسة “غلطة سراي” السلطانية (Mekteb-i Sultani) لتقديم تعليم حديث باللغة الفرنسية لمختلف مكونات المجتمع العثماني.

تحديث الجيش والأسطول (سلاح ذو حدين)

أولى السلطان اهتمامًا بالغًا بالبحرية، حتى أصبح الأسطول العثماني في عهده ثالث أكبر أسطول في العالم من حيث عدد السفن المدرعة، بعد بريطانيا وفرنسا. ومع ذلك، كان هذا التحديث مكلفًا للغاية، حيث عانى الأسطول لاحقًا من مشاكل الصيانة ونقص الكوادر المدربة، مما جعله عبئًا اقتصاديًا ساهم في أزمة الديون.

الأزمة المالية وإفلاس الدولة

ورث السلطان عبد العزيز ديونًا من عهد سلفه، لكن سياسة الاقتراض تفاقمت في عهده لتمويل القصور والأسطول والسكك الحديدية. وصل الوضع الاقتصادي إلى حافة الهاوية، حيث كانت البنوك الأوروبية تخصم نسب فوائد فاحشة مقدمًا.

بحلول عام 1875، أعلنت الدولة عجزها عن سداد الديون (الإفلاس المالي). ولتوضيح حجم الكارثة بلغة الأرقام الحالية: كان دخل الدولة السنوي يقدر بنحو 380 مليون فرنك (ما يعادل تقريبًا 15 مليار دولار أمريكي بحساب معيار الذهب وأسعار 2025)، وكان يتم اقتطاع ما يقرب من 80% من هذا الدخل لسداد فوائد الديون فقط! هذا الوضع المالي الخانق مهد الطريق للتدخل الأجنبي المباشر في اقتصاد الدولة.

بورتريه السلطان عبد العزيز

زيارات السلطان عبد العزيز الخارجية التاريخية

كسر السلطان عبد العزيز البروتوكول العثماني الصارم بكونه أول سلطان يغادر إسطنبول في زيارات دبلوماسية سلمية.

رحلة أوروبا الشهيرة (1867)

استجابة لدعوة الإمبراطور نابليون الثالث، زار السلطان فرنسا لحضور المعرض العالمي في باريس، ثم انتقل إلى لندن بدعوة من الملكة فيكتوريا، وزار بعدها فيينا وبودابست. استخدم السلطان في تنقلاته القطارات واليخوت الملكية.

معلومة سياحية: يمكن للزوار اليوم رؤية العربة الخاصة الفاخرة التي استخدمها السلطان عبد العزيز في تنقلاته الأوروبية، وهي معروضة حاليًا في متحف رحمي كوتش (Rahmi M. Koç Museum) في إسطنبول. (سعر تذكرة الدخول للبالغين حوالي 900 ليرة تركية وفقًا لأسعار أواخر 2025).

زيارة مصر

زار السلطان مصر واستقبله الخديوي إسماعيل بحفاوة بالغة في الإسكندرية. وانتقل بالقطار إلى القاهرة، حيث أقام في قصر الجوهرة بالقلعة، وأبدى إعجابه بالتطور العمراني الذي شهدته مصر، وزار الأهرامات وشبرا، مما عكس عمق الروابط بين إسطنبول والقاهرة في ذلك الوقت.

الملكة فيكتوريا والسلطان عبد العزيز العثماني

الانقلاب والخلع

استغلت القوى المعارضة، بقيادة مدحت باشا وحسين عوني باشا، الأزمة المالية وتذمر طلاب العلوم الشرعية لتدبير انقلاب عسكري. في فجر يوم 30 مايو 1876، حاصرت القوات قصر دولمة بهجة، وتم خلع السلطان عبد العزيز وتنصيب ابن أخيه مراد الخامس.

حقيقة اغتيال السلطان عبد العزيز (كشف غموض 2007)

نُقل السلطان المخلوع إلى قصر فيريه (الذي يضم حاليًا جامعة غلطة سراي وثانوية كاباتاش). وبعد أربعة أيام فقط، في 4 يونيو 1876، عُثر عليه ميتًا وقد قُطعت عروق معصميه.

أعلنت السلطات الانقلابية حينها أن السلطان انتحر بمقص صغير، وأغلق التحقيق بسرعة مريبة. لكن الشكوك ظلت تحوم حول الحادثة لأكثر من قرن، حيث كان يُعتقد أن الانتحار بقطع المعصمين معًا أمر شبه مستحيل طبيًا.

التطور التاريخي الحاسم: في عام 2007، تم العثور في أرشيف قصر توبكابي على الملابس التي كان يرتديها السلطان لحظة وفاته، والتي احتفظت بها والدته السلطانة برتونيال. أثبتت التحليلات الجنائية الحديثة لآثار الدماء وتمزقات الملابس أن الجروح لا يمكن أن تكون ناتجة عن انتحار، مما رجح بشكل قاطع رواية الاغتيال وتدبير القتل من قبل قادة الانقلاب خوفًا من عودته للعرش.

لاحقًا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، تم محاكمة المتورطين (بما فيهم مدحت باشا) في محكمة يلدز الشهيرة، وحُكم عليهم بالإعدام الذي خُفف للنفي إلى الطائف، حيث لقوا حتفهم هناك.

موضوعات ذات صلة