السلطان محمود الثاني

السلطان محمود الثاني

السلطان محمود الثاني (1785-1839) هو السلطان الثلاثون للدولة العثمانية، ويُعد واحداً من أهم السلاطين الإصلاحيين الذين غيروا مسار التاريخ العثماني. اشتهر بلقب “بطرس الأكبر العثماني” نظراً للإصلاحات الجذرية التي قام بها، والتي مهدت الطريق لعصر التنظيمات.

رغم جهوده الإصلاحية، شهد عهده تحديات جسيمة، منها انفصال اليونان، واحتلال فرنسا للجزائر، بالإضافة إلى الصراع الداخلي العنيف مع والي مصر محمد علي باشا.

السلطان محمود الثاني

نسب وعائلة السلطان محمود الثاني

ينتسب السلطان محمود الثاني إلى السلالة العثمانية العريقة، واسمه الكامل وصولاً إلى أرطغرل غازي هو:

محمود الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل.

تشير السجلات التاريخية المحدثة إلى أن السلطان محمود الثاني كان له 19 زوجة (قادين)، وليس 16 كما كان يُشاع سابقاً، وهن:

  • بزم عالم سلطان (والدة السلطان عبد المجيد الأول)
  • برتفنيال سلطان (والدة السلطان عبد العزيز)
  • فاطمة قادين (كبير القادين)
  • خوشيار قادين
  • أشوب جان قادين
  • وصلت قادين
  • فيرديجينان هانم
  • نورتاب قادين
  • ميسليناياب قادين
  • إبروريفتار قادين
  • بيرفيزيفيليك قادين
  • حسن ملك هانم
  • تريال هانم
  • زيرنيكار هانم
  • ليبريزيفيليك هانم
  • نيف فيدان قادين
  • ديل سيزا قادين
  • عليجاناب قادين
  • قمرفار قادين

حياة السلطان محمود الثاني قبل الحكم

ولد الأمير محمود الثاني في 20 يوليو 1785م، الموافق لشهر رمضان، للسلطان عبد الحميد الأول وزوجته نقشيديل سلطان.

عاش الأمير محمود طفولة صعبة، حيث حُبس في القصر بعد وفاة والده. وعندما حاول أخوه غير الشقيق، السلطان مصطفى الرابع، تأمين حكمه، أمر بإعدام الورثة المحتملين (محمود وسليم الثالث) ليصبح هو الوريث الوحيد لآل عثمان.

نجح الجلادون في اغتيال السلطان المخلوع سليم الثالث، لكن الأمير محمود نجا بأعجوبة بعد أن هرب واختبأ بمساعدة بعض الموالين. ظهر محمود لاحقاً ليعزل أخاه مصطفى الرابع بمساعدة المتمردين بقيادة مصطفى بيرقدار، ويتولى العرش عام 1808م.

السلطان محمود الثاني

فترة حكم السلطان محمود الثاني

بداية الحكم وتمرد الإنكشارية

تولى السلطان محمود الثاني الحكم وهو في الثالثة والعشرين من عمره. بدأ عهده بمحاولات إصلاحية جادة، مكلفاً الصدر الأعظم مصطفى بيرقدار بتحديث الجيش، وهو ما أثار حفيظة الإنكشارية الذين رفضوا الانصياع للنظم العسكرية الجديدة.

اندلعت ثورة عنيفة، أضرم خلالها الإنكشارية النيران في السرايا الحكومية، مما أدى إلى مقتل الصدر الأعظم. اضطر السلطان محمود الثاني حينها إلى التراجع مؤقتاً عن إصلاحاته لتهدئة الأوضاع، منتظراً الفرصة المناسبة للقضاء على رؤوس الفساد.

الإنكشارية

الواقعة الخيرية: نهاية الإنكشارية

في عام 1826م، قرر السلطان محمود الثاني توجيه الضربة القاضية للإنكشارية فيما عُرف تاريخياً بـ “الواقعة الخيرية”. عندما تمرد الجنود مجدداً في شوارع العاصمة، استعان السلطان بقوات السباهي والشعب، وأخرج الراية النبوية الشريفة لحشد الناس حوله.

حاصرت القوات الموالية للسلطان ثكنات الإنكشارية وقصفتها بالمدفعية. تشير التقديرات التاريخية إلى مقتل حوالي 4,000 جندي داخل الثكنات، بينما وصل إجمالي القتلى بعد الملاحقات والإعدامات إلى ما يقارب 6,000 شخص (وتذكر بعض المصادر أرقاماً أعلى). وبذلك، تم حل فيلق الإنكشارية نهائياً، وصودرت ممتلكاتهم، لتبدأ مرحلة الجيش الحديث.

الإصلاحات العسكرية والجيش الجديد

عقب القضاء على الإنكشارية، أسس السلطان جيشاً جديداً باسم “العساكر المنصورة المحمدية”، وأدخل إصلاحات واسعة شملت:

  • تطبيق نظام التجنيد الإجباري وتحديث التدريبات العسكرية.
  • استقدام ضباط وخبراء عسكريين من بروسيا (ألمانيا) لتدريب الجيش.
  • بناء سفينة “المحمودية” (تم إطلاقها عام 1829)، والتي ظلت تُصنف كأكبر سفينة حربية في العالم لمدة 20 عاماً، حيث كان يديرها طاقم مكون من 1,280 بحاراً وتحمل 128 مدفعاً.
  • إدخال السفن البخارية لأول مرة إلى البحرية العثمانية.
  • إعادة فتح وتطوير المدرسة البحرية وإنشاء أكاديمية للطلاب المتفوقين.
سفينة المحمودية العثمانية
سفينة المحمودية: أكبر سفينة حربية في العالم في عصرها

الإصلاحات الإدارية والتعليمية

لم تقتصر إصلاحات السلطان محمود الثاني على الجانب العسكري، بل شملت جوانب الدولة كافة:

  • أول تعداد سكاني (1831م): أمر بإجراء أول إحصاء سكاني حديث في الدولة العثمانية، بهدف تنظيم التجنيد والضرائب.
  • تأسيس البريد (1834م): أنشأ أول نظام بريد رسمي وعبّد الطرق بين إسطنبول وأدرنة لتسهيل الاتصالات.
  • التعليم الحديث: أسس مدارس “المكتب الرشدي” (المدارس الثانوية) لتدريس العلوم الحديثة كالرياضيات والجغرافيا، إلى جانب المدارس التحضيرية للكليات العسكرية والطبية.
  • البعثات الخارجية (1827م): أرسل أولى البعثات الطلابية (حوالي 150 طالباً) إلى أوروبا (لندن وباريس) لنقل العلوم والفنون الحديثة.

تغييرات اجتماعية

أحدث السلطان تغييراً بصرياً وثقافياً في المجتمع العثماني، حيث استبدل العمامة والملابس التقليدية بـ الطربوش (الذي أصبح رمزاً للحداثة حينها) والزي الغربي (البنطال والسترة). ألزم موظفي الدولة المدنيين والعسكريين بارتداء هذا الزي الجديد، مما غيّر مظهر الشارع العثماني، خاصة في إسطنبول.

السلطان محمود الثاني العثماني

الحروب والتحديات الخارجية

الحرب العثمانية السعودية:
تمكنت القوات العثمانية المصرية بقيادة إبراهيم باشا (ابن محمد علي) من القضاء على الدولة السعودية الأولى، واستعادة الحرمين الشريفين، وانتهت الحرب باستسلام عبد الله بن سعود وإعدامه في الأستانة.

استقلال اليونان (1830م):
اندلعت الثورة اليونانية بدعم أوروبي واسع. ورغم نجاح الجيش المصري والعثماني في قمع التمرد مبدئياً، تدخلت الأساطيل الأوروبية (روسيا، فرنسا، بريطانيا) ودمرت الأسطول العثماني في معركة نافارين (1827). اضطرت الدولة العثمانية في النهاية للاعتراف باستقلال اليونان.

احتلال الجزائر (1830م):
استغلت فرنسا ضعف البحرية العثمانية بعد معركة نافارين لتقوم باحتلال الجزائر عام 1830، ولم تتمكن الدولة العثمانية من إرسال الدعم الكافي للدفاع عنها.

تمرد محمد علي باشا

طمع والي مصر القوي، محمد علي باشا، في توسيع نفوذه، فزحفت قواته بقيادة ابنه إبراهيم باشا وسيطرت على الشام، ثم توغلت في الأناضول حتى وصلت إلى قونية وكادت تسقط العاصمة.

تجدد الصراع في نهاية حياة السلطان محمود، حيث التقى الجيشان في معركة نصيبين الفاصلة بتاريخ 24 يونيو 1839م، والتي انتهت بهزيمة قاسية للجيش العثماني أمام قوات محمد علي باشا.

محمد علي باشا

وفاة السلطان محمود الثاني

توفي السلطان محمود الثاني متأثراً بمرض السل في 1 يوليو 1839م، عن عمر يناهز 54 عاماً. ومن مفارقات القدر أنه توفي بعد أسبوع واحد فقط من هزيمة جيشه في معركة نصيبين، وقبل أن يصله خبر الهزيمة الكارثية. خلفه في الحكم ابنه السلطان عبد المجيد الأول، الذي واصل مسيرة الإصلاح.

آثار السلطان محمود الثاني اليوم (زيارة سياحية)

يمكن للزوار في إسطنبول اليوم التعرف على إرث السلطان محمود الثاني من خلال زيارة المعالم التالية (أسعار 2025):

  • المتحف البحري في بشيكتاش (İstanbul Deniz Müzesi): حيث تُعرض المقتنيات البحرية من عهده، بما في ذلك أجزاء من سفن تاريخية وقوارب السلطنة الفخمة. سعر تذكرة الدخول حوالي 400 ليرة تركية.
  • ضريح السلطان محمود الثاني: يقع في شارع الديوان (Divanyolu) بالقرب من البازار الكبير، ويضم أيضاً قبور السلاطين عبد العزيز وعبد الحميد الثاني، وهو تحفة معمارية تستحق الزيارة.

موضوعات ذات صلة