|

السلطان عبد المجيد الأول: رائد إصلاحات التنظيمات في الدولة العثمانية (1823–1861)

Sultán Abdul Majid I

قاد السلطان عبد المجيد الأول (1823–1861) مرحلة مفصلية في تاريخ الدولة العثمانية؛ إذ دشّن مع كبار رجال دولته إصلاحات «التنظيمات»، وسعى لمواءمة الإدارة والقضاء والجيش مع معايير أوروبا الحديثة، وتعامل مع أزمات كبرى مثل الأزمة المصرية وحرب القرم، وترك إرثًا عمرانيًا وفكريًا لافتًا.

لوحة للسلطان العثماني عبد المجيد الأول

نسب وعائلة السلطان عبد المجيد الأول

ينتسب السلطان عبد المجيد الأول إلى آل عثمان، واسمه الكامل: عبد المجيد بن محمود الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل.

تزوّج السلطان عددًا من القادينات والحرم، ومن أشهرهن: تيرمشكان السلطانة، شوق فضة سلطان، كل جمال أفندي، شائستة خانم، ورد جنان قادين، بيريستو قادين، كلستو خانم، دزددل قادين، بزم آرا خانم، مهيتاب قادين أفندي، نُكهت سزا خانم، ناوك مثال خانم أفندي، زين الفلك خانم، جيلان يار خانم، نركزو خانم، نالان دل خانم، نسرين خانم.

نشأة السلطان وتعليمه

وُلد عبد المجيد الأول في 25 أبريل/نيسان 1823 بإسطنبول، وتلقّى تعليمًا حديثًا ذي نزعة أوروبية. كان أول سلطان عثماني يتحدث الفرنسية بطلاقة، واهتم بالموسيقى الكلاسيكية والأدب.

صورة أرشيفية للسلطان عبد المجيد الأول

اعتلاء العرش والأزمة المصرية (1839–1841)

تولّى عبد المجيد العرش في 2 يوليو/تموز 1839 وهو في السادسة عشرة بعد وفاة والده محمود الثاني. وجدت الدولة نفسها إثر هزيمة نزيب وتسليم الأسطول العثماني نفسه في الإسكندرية أمام أزمة عميقة، فتدخلت القوى الأوروبية (بريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا) عبر «اتفاقية لندن 1840»، وانتهت الأزمة بفرمان 1841 الذي منح محمد علي حكم مصر وراثة مقابل انسحابه من بلاد الشام وغيرها وعودة الأسطول.

إصلاحات التنظيمات في عهده

شهد عهده إعلان وثيقتين إصلاحيتين مركزيتين: «خط شريف كلخانة» عام 1839 و«الخط الهمايوني» عام 1856؛ وهما الأساس الذي قامت عليه مرحلة «التنظيمات» لإعادة تنظيم مؤسسات الدولة على أسس حديثة.

  • إصدار أولى الأوراق النقدية العثمانية (القايمة) عام 1840، ثم تحسين طباعتها بعد 1842.
  • إعادة تنظيم الجيش وإدخال التجنيد الإجباري بتحديد الخدمة الفعلية بنحو خمس سنوات يعقبها احتياط (رديف).
  • اعتماد نشيد الدولة «مَجِيدية مارشي» (من تأليف دونيزيتي باشا) وتوحيد العلم العثماني بصيغته الحديثة عام 1844 (الهلال والنجمة على أرضية حمراء).
  • تحديث المالية والقوانين (الجنائي والتجاري والبحري) وفق نماذج أوروبية، وإنشاء محاكم مدنية وتجارية مختلطة بعضويّة عثمانية وأوروبية.
  • تأسيس مجلس المعارف (1845/1846) ثم وزارة المعارف (1857)، وإطلاق مؤسسات تعليمية حديثة مثل دار الفنون ومحافل التخصص، وافتتاح مدرسة عثمانية في باريس عام 1857.
  • تنظيم سوق العبيد والتجارة بالرقيق: إغلاق السوق العلني في إسطنبول (1847) وتقييد تجارة الرقيق القوقازي (1854–1855) والأفريقي (1857) ضمن مسار متدرّج نحو الإلغاء.
  • إصلاح وضع غير المسلمين: نصّ خط الإصلاحات 1856 على مساواة الرعايا في الضرائب والحقوق، وأُلغيت الجزية عمليًا واستُبدلت بضريبة «بدل عسكري» مع بقاء خدمة غير المسلمين محدودة في الجيش في البداية.
  • إصدار قانون الأراضي لسنة 1858 لتثبيت حقوق التملك وتحديث التسجيل.

حرب القرم والديون الخارجية (1853–1856)

دخلت الدولة العثمانية الحرب ضد روسيا على خلفية تدخلاتها وادعائها حماية مسيحيّي الدولة، فتحالفت إسطنبول مع بريطانيا وفرنسا وسردينيا. انتهت الحرب بـ«معاهدة باريس» (30 مارس/آذار 1856) التي ضمنت استقلال الدولة ووحدة أراضيها وأمّنت حياد البحر الأسود، كما أُدرجت الدولة رسميًا ضمن «كونسرت أوروبا».

تركّزت المعارك في القوقاز والبحر الأسود وشبه جزيرة القرم؛ فاستولى الحلفاء على سيفاستوبول عام 1855، بينما سقطت قارص بيد الروس في العام نفسه.

أرهقت الحرب الخزانة، فلجأت الدولة لأول قرض خارجي عام 1854 بنحو ثلاثة ملايين جنيه إسترليني (نحو 75 مليون فرنك)، بضمان جزء من جزية مصر؛ وهو ما مهّد لاحقًا لتضخم الدين العام.

مجاعة أيرلندا الكبرى: ما بين الموثّق والمتنازع عليه

الثابت تاريخيًا أن السلطان تبرّع بمبلغ 1000 جنيه إسترليني لإغاثة أيرلندا سنة 1847، وفق رسالة شكر معروضة في دبلن، كما تُجمع مصادر أيرلندية على أن الملكة فيكتوريا تبرعت بمبلغ 2000 جنيه وأن رسائلها العامة حثّت الكنائس على التبرع. أما روايات «10 آلاف جنيه» أو تدخل الملكة لخفض تبرع السلطان فتبقى محل خلاف.

انتشرت قصة رسوّ ثلاث سفن عثمانية محمّلة بالقمح في دروهدا، لكنّ مؤرخين محليين شككوا لغياب سجلات مرفئية قاطعة، رغم وجود إشارات صحفية معاصرة إلى «سفن أجنبية» وصلت خلال مايو/أيار 1847. كما أن الهلال والنجمة في شعار مدينة دروهدا أقدم من القرن التاسع عشر ولا علاقة موثقة له بالمساعدة العثمانية؛ أما نادي دروهدا يونايتد فيستخدم شعار المدينة التاريخي.

صورة رمزية لجهود إغاثة خلال مجاعة أيرلندا
المبلغ الموثّق: £1000 من السلطان سنة 1847، فيما تبقى حكاية «السفن الثلاث» مثار جدل محلي.
شعار نادي دروهدا يونايتد الأيرلندي

قصر دولما بهجة

شيّد السلطان قصر دولما بهجة على الطراز الأوروبي بين 1843 و1856، بتكلفة قُدِّرت بخمسة ملايين ليرة ذهبية (نحو 35 طنًا من الذهب)، ويُنقل أن نحو 14 طنًا من الذهب استُخدمت في زخارف السقوف والديكورات الداخلية.

قصر دولما بهجة في إسطنبول

إرث ثقافي ورمزي

  • الأنشودة الإمبراطورية: «مَجِيدية مارشي» التي ألّفها جوزيبه دونيزيتي.
  • العلم العثماني بصيغة 1844 أصبح لاحقًا علم جمهورية تركيا بعد ضبط مقاييسه سنة 1936.
  • الكنيسة التذكارية للقرم في إسطنبول (الكنيسة الأنغليكانية في غalata) بُنيت على أرض تبرع بها السلطان بعد الحرب، وشيّدت بين 1858 و1868.

وفاة السلطان

توفي عبد المجيد الأول بمرض السل في 25 يونيو/حزيران 1861، ودُفن في جامع يافوز سليم بإسطنبول. وخلفه أخوه غير الشقيق السلطان عبد العزيز.

موضوعات ذات صلة